12 - 05 - 2025

عاصفة بوح| تكرار الفشل و الجنون

عاصفة بوح| تكرار الفشل و الجنون

هل تتعلم البشرية من أخطائها حتى لو أدت إلى فناء العالم باستخدام القنبلة الذرية؟ هل التاريخ يثبت صحة النظرية أم يدحضها؟ نال العالم من ويلات الحرب العالمية الاولى ما نال وبدلا من أن يتعلم من ويلاتها اندفع مرة ثانية وبصورة أكثر توحشا، نحو الدخول فى حرب عالمية ثانية.

وبلغت ضحاياها الملايين لأن إنسانا مجنونا مثل هتلر، قد وصل إلى السلطة عن طريق الانتخابات ومع ذلك كان السبب فى هذا الخراب والذي طال دولته أيضا، لأن انفراده بالقرار وجبن القيادات عن ردعه أدى إلى تلك المأساة التى طالت الجميع!

كل ما سبق أعاده مسلسل 100 إلى ذهنى، مسيرة الحضارة المكررة لأخطائها فى ديمومة مخجلة، فلا تسير إلا فى دائرة تعيدها لنفس نقطة البداية ولا تنطلق كالسهم إلى الأمام مستفيدة من كل دروس الماضي!

المسلسل يدور حول فناء معظم العالم نتيجة لحرب ذرية ونجاة البعض في محطة آآ فضائية منتظرين لمئة عام حتى يعودوا إلى أرض خالية من الإشعاع القاتل فيرسلون مئة من المساجين الشباب ليجربوا الحياة أسفل فى الأرض دون علمهم أو موافقتهم، وتلك كانت الجريمة الأولى التي أقدموا عليها ببراجماتية سياسية لا فكاك منها على مر العصور. 

وتبدأ المسيرة بتكرار كل الأخطاء والممارسات السابقة التى أدت إلى فناء العالم.. تبدأ بالفوضى المطلقة تمردا على القوانين التى ظلمتهم.. شيمة الثورات الشعبية، ثم بالتجارب القاسية، يدركون أن الحياة لا تسير بدون قوانين وحسابات وإلا تحولوا إلى وحوش، ثم الاحتياج إلى قائد يوجه ويحمى ويكون فاصلا وحكما مابين المختلفين.. ولكنهمآآ  يفاجأون بأن كل من يصل إلى السلطة ينتابه جنون العظمة ويؤمن فعليا أن الله اختاره لمواصفات لا تتوافر في غيره، ثم يجنح إلى فرض وصايته، إما حماية لتلك السلطة التى أسكرته أو لتصوره أنه وحده الذى يملك الحقيقة المطلقة والقادر وحده على الوصول بسفينة الوطن إلى بر الأمان.. يقين حقيقى لامراء فيه ولكننا نكتشف معه من خلال المسلسل أن السلطة المطلقة دائما تؤدى إلى نهاية المجتمعات، مهما كانت موصفات الحاكم ونيته السليمة.

.. 

يبدأ المسلسل فى تشريح النفس البشرية التى تبغى الكمال والعدل، ولكن التجربة تعلمنا أنه من السهل الحكم على الآخرين عندما نكون خارج نطاق المسؤولية وأن اتخاذ القرار الصائب فى ظل ظروف قاسية لا تكون بالسهولة التى نتصورها، وأننا قد نضطر إلى اتخاذ قرارات غير عادلة عندما تكون مصلحة الأغلبية فى خطر وجودى فعلا!

يأخذ بيدنا المسلسل لنرى أنفسنا على حقيقتها، نرى ميزان العدل يختل عندما يصيب مصالحنا أو يؤذى أحباءنا، نرى أن النيات الصالحة لا تكفى لدرء خطر قلة الخبرة.. وأن قول الحقيقة وتوقيت إعلانها، أحيانا، قد يؤذي أكثر مما يفيد، وأن حماسة وخيال الشباب بدون خبرة الكهول قد تعيد تكرار الفشل وتستنفذ أوقات من الأوطان هى فى أمس الحاجة إليها للوصول إلى حلول سريعة لمشاكل مستوطنة وضارة بمسيرة الشعوب!.

أوضح المسلسل أن استغلال الخوف من الخطر الخارجى، يجعلك تقبل فشل القرارات الداخلية طلبا للأمان وخوفا من المجهول، هي ىسمات الأنظمة المستبدة وإكليشيه لا تنفك البشرية أن تستغله على مر التاريخ.

حتى الدين أوضحت الحلقات كيف يتم تطويعه واستغلاله لتنفيذ كل أجندات السيطرة سواء على المستوى العام أو حتى فى العلاقات الإنسانية.

المسلسل يذكرنا بحالنا الأمس واليوم، وأتمنى أن يكون الغد أفضل وأكثر حكمة.. وأن نتعلم أنه حتى بالديموقراطية قد يتم اختيار الأسوأ، وعلينا أن نتمسك بآليات تجعلنا نعيد التفكير مرة أخرى فى اختياراتنا السياسية إذا ماثبت فشلها وإلا لوجدنا أنفسنا فى الفضاء منفيين ننتظر العودة إلى الأرض التي عاش فيها الناجون فى الكهوف، يعيدون إنتاج مسيرة البشرية الحمقاء بكل أخطائها دون تعلم من قصة فنائهم الأولى، فيعيدونها بكل حماقتها وجنونها.. ألا نتعلم أبدا من أخطائنا؟
 ---------------------

بقلم: وفاء الشيشيني 

مقالات اخرى للكاتب

عاصفة بوح | علمتني غزة